Off Canvas sidebar is empty

فريدا كاهلو

نيو مكسيكو - أثار سفير الولايات المتحدة لدى المكسيك كريستوفر لانداو جدلا واسعا عندما انتقد في "تويتر" المواقف السياسية للأيقونة الوطنية المكسيكية الرسامة المشهورة فريدا كالو.

وأعرب لانداو الذي تولى منصبه الشهر الماضي، عقب زيارته إلى منزل الرسامة التي توفيت عام 1954 وتركت نحو 200 لوحة ذات شهرة عالمية، لتتحول في سبعينيات القرن الماضي إلى أحد رموز الحركة النسائية العالمية، عن إعجابه إزاء "روحها الحرة" وأكد أنه من الصحيح أنها تعد أحد رموز بلادها.

لكن بعد ذلك تابع السفير: "ما لا أفهمه هو شغفها الواضح بالماركسية واللينينية والستالينية. هل أنتم على دراية بشأن الفظائع التي ارتكبت باسم هذه الإيديولوجيا؟".

واستدعت هذه التصريحات انتقادات شديدة اللهجة بحق لانداو في المكسيك، إذ رد أحد المغردين على تساؤل السفير بالقول: "باسم محاربة هذه الإيديولوجيا قتلت الولايات المتحدة أطفالا في فيتنام من خلال قصف قرى بالكامل ودعمت الديكتاتوريات في مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية".

من جانبه، أصدر الحزب الشيوعي المكسيكي بيانا شدد فيه على أن "الرفيقة فريدا كانت متمسكة بالإنسانية والبحث عن الديمقراطية والحرية للعمال والشعب المكسيكيين، ولذلك كانت ماركسية لينينية وبطبيعة الحال كانت من معجبي ستالين".

من جانبهم، أبدى مغردون آخرون عن دعمهم للسفير الأمريكي، متهمين الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور باتباع "المواقف الماركسية".

 

المصدر: إندبندنت

برازيليا - يحكي الفيلم البرازيلي " المحطة المركزية" لمخرجه والتر ساليس، عن مدرسة سابقة (دورا) تكسب رزقها من كتابة رسائل لأفراد أمنيين في محطة القطار بالعاصمة البرازيلية.

يوماً ما تأتي إليها امرأة مع ابنها البالغ تسع سنوات طالبة منها أن تكتب وتبعث رسالة إلى والد الطفل الذي هجرهما منذ سنوات ولم يعد، وذلك من أجل أن يعود ويعتني بابنه.

تكتب دورا الخطاب وتضعه في المظروف وتكتب العنوان عليه طبقا لما تمليه الأم، ثم تأخذ من الأم المقابل المالي لكتابة الرسالة ولثمن طابع البريد ومصاريف إرساله لأن دورا هي التي تتكفل بإرساله لمكتب البريد، لكن دورا، كالعادة، لا تبعث الرسائل بل ترميها.

تغادر الأم والطفل المحطة لنرى دورا تقوم ببرود في نهاية اليوم كالعادة بإلقاء الخطابات التي كتبتها في صندوق القمامة وتستحوذ على ثمن الطوابع وأتعاب الإرسال دون أن يبدو عليها أي شعور بتأنيب الضمير.

في إحدى المرات وبعد أن تنهي الأم إملاء الرسالة على دورا وتدفع لها أجرها تعبر الشارع المزدحم مع أبنها فتصدمها سيارة لتموت في الحال ويبقى الطفل ولا يجد الطفل ما يفعله سوى اللجوء العودة لدورا في حين بدأ المارة يلتفون حوله ويستدعون الإسعاف لنقل جثمان الأم، هنا تضطر دورا أن تساعده في البحث عن أبيه الموجود في قرية نائية. في النهاية نكتشف أن الوالد نفسه مات منذ زمن وكان حتى موته يبحث عن الأم والطفل دون جدوى.

يسبر الفيلم العلاقة بين دورا كاتبة الرسائل والصبي، هذه العلاقة التي تنمو عاطفيا إلى أن تتعرض دورا إلى تحول جذري من الأنانية والخبث والخداع إلى الانفتاح والحساسية والاهتمام بالآخرين.

يقول المخرج حول فيلمه: "إنه يتحدث عن الخلاص الذي يحدثه اكتشاف عاطفة الحب الإنسانية. هو كذلك عن مسألة البحث، البحث على عدة مستويات مختلفة. هو قصة صبي يبحث عن أب لم يلتق به أبداً، وقصة امرأة تبحث عن مشاعر فقدتها منذ زمن. الفيلم يُظهر أن ذلك الاتصال ممكن بين أفراد فقدوا كل اهتمام بالآخرين، وببعضهم البعض".

إنه عن إمكانية أن يبدأ المرء حياته من جديد. الفيلم هو، في الواقع، قصة اكتشاف الحب بين شخصيتين متباينتين ويائستين جداً. إنه عن إيجاد المرء مكانا له في العالم، ورؤية العالم ثانية كما ينبغي أن يرى.

بهذا المعنى فإن فقدان الهوية معلن بوضوح في البداية، لأن كل ما تراه دورا بطلة الفيلم هو خارج البؤرة، فيما عدا الشخص الذي تريد أن تنتزع منه نقوده، فيما هي تبدأ في إدراك العالم بطريقة مختلفة. والعالم الصغير هنا هو الصبي عندئذ يكتسب الفيلم عمقاً معينا.

المرأة دورا تمثل، بطريقة معينة، الوضع الراهن القديم، والصبي يمثل الإمكانية الجديدة، إمكانية التغيير من خلال الفعل. يتضح معنى التغيير في "المحطة المركزية" في أنه، للمرة الأولى، يحدد الصبي من جديد مصيره الخاص، إنه يعيد تعميد نفسه. وبفعل ذلك هو يصبح أشبه بالملاك الذي يساعد الآخرين على ذلك النوع من التغيير.

في هذا الفيلم، ترمز محطة القطار بذاتها، إلى ما كانت البرازيل ترغب في أن تكونه لكنها لم تنجح في تحقيقه، فإن محطة القطار، المكان الذي من خلاله يعبر آلاف الأشخاص يوميا، كانت بطريقة ما، نموذجا للمدينة البرازيلية.

حصل الفيلم على 29 جائزة دولية والعديد من الترشيحات للجوائز.

https://c1.staticflickr.com/5/4764/38705975675_d234995529_o.jpg

عُرف جون سنغر سارجنت بأسفاره الكثيرة والطويلة في بلدان القارّة الأوربّية. لكن في عام 1879، وجد الرسّام وقتا لزيارة مدينة طنجة في شمال أفريقيا. وكان الاستشراق وقتها موضوعا يحظى بشعبية كبيرة عند الأوربّيين.
وأثناء إقامته في المدينة المغربية، بدأ سارجنت رسم هذه اللوحة، ثم أكملها في مرسمه عندما عاد إلى باريس.
وفيها تظهر امرأة ترتدي جلبابا مغربيّا وتقف إلى جوار عمود مقوّس في مكان أشبه ما يكون بفناء بيت مستأجر، بينما تنشر غطاء رأسها فوق مبخرة فضّية تستقرّ على الأرضية وينبعث منها دخان العنبر. وهو مادّة شمعية تُستخرج من بطون الحيتان وتُستخدم في صناعة العطور وكمقوٍّ جنسيّ وطارد للأرواح الشرّيرة.
وجه المرأة لا يبين منه سوى القليل رغم أنها لا ترتدي حجابا، كما أن نظراتها منسحبة، وغموضها يحرّض الناظر على أن يحدّق أكثر في الصورة كي يكتشف عالمها. والخمار، إذ ترفعه، يتحوّل إلى ما يشبه المظلّة أو الخيمة، بما يسمح للبخور أن يتخلّل وجهها وملابسها.
وببدو أن اهتمامها منصبّ على البخور، وليس على الرسّام أو الناظر. كما يلاحَظ أنها تضع على وجهها مكياجا ثقيلا وتستخدم الكحل في عينيها وحاجبيها وتضع احمر شفاه وألوان أظافر وترتدي خاتمين في إصبع يدها الصغير.
والقفطان الذي ترتديه يتألّف من طبقات متعدّدة من الأبيض مقابل تدّرجات من الألوان النحاسية والموف على الجدران. والمرأة في طريقة وقوفها تبدو مثل عنصر معماريّ وعلى نحو يذكّر بالنساء المنحوتات في أعمدة المعابد اليونانية القديمة.
والضوء الآتي من فوق باتجاه السجّادة ذات الأنماط المزخرفة يوحي بأنها تقف عند طرف صالة واسعة أو فناء داخلي.
هويّة المرأة غير معروفة على وجه التحديد. لكن يمكن للمرء أن يفترض أنها إمّا امازيغية أو من يهود المغرب. كما لا يُعرف إن كانت هي التي كلّفت سارجنت برسمها أم انه هو الذي طلب إليها أن تقف أمامه ليرسمها.
استخدام الرسّام لألوان محدّدة يخلع على المنظر هالة من الغموض، كما انه يستثير الإحساس بالشرق. وسارجنت يمزج تأثيرات شتّى من أجزاء متعدّدة من الشرق، لذا يمكن القول أيضا أنه ربّما خلق المنظر من مخيّلته.
واستخدام الألوان بطريقة بارعة هو ما دفع بعض النقّاد للثناء على الرسّام، بالنظر إلى أن خلق تدرّجات من النسيج بألوان قليلة يتطلّب مهارة كبيرة. والبياض المتعدّد المستويات في اللوحة يعود في جزء منه إلى التوظيف المدهش للضوء الذي يغمر كلّ شيء بشعاع ساطع.
كان الروائيّ هنري جيمس صديقا لسارجنت، وقد استوقف الأوّل التأثير المشعّ للون الأبيض وامتدح اللوحة عموما واصفا المرأة بـ "الجميلة الخالدة" وبأنها تذكّر بالراهبات وبنساء الجيشا.
وسارجنت ينظر إلى ما هو ابعد من حدود الأبيض ليركّز على ظلال الشخصية التي تمتزج وتتباين بشكل رائع مع الموضوع. والجدران البيضاء للغرفة وطبقات القماش الذي تلفّ به المرأة نفسها، كلّ هذه العناصر تنال من الرسّام نفس المستوى من الاهتمام.
ومن خلال هذا المزج الرائع بين تفاصيل المكان والزيّ، بما فيه القلادة والمجوهرات، يتحوّل المشهد إلى بهجة للعين بألوانه البيضاء النقيّة والكريمية والفضّية والحليبية والبرتقالية واللؤلؤية. وبمعنى ما، تبدو هذه اللوحة بسيطة ومعقدّة في آنْ.
قيل إن هذه الصورة تقدّم استعارة مثيرة لحالة الرسّام الذهنية. فقد كان، مثل المرأة الغامضة في اللوحة، يفتح عينيه على فكرة السُكْر والاستسلام، وحتى الغواية.
وهناك من النقّاد من أشاروا إلى إن هذه اللوحة هي عن فنّ الرسم وعن سحر الألوان، أكثر من كونها تصوّر امرأة في بيئة شرقية غامضة. وحتى سارجنت نفسه كتب إلى احد أصدقائه يقول إن الشيء الوحيد الذي اهتمّ به في الصورة كان الألوان.
لكن هناك شيئا ما أكثر أهميّة من عمل الفرشاة الرائع. انه جوّ العزلة والسكون الطقوسيّ الذي يلفّ عالم المرأة. وهناك أيضا التلميح إلى حياة ما خاصّة وإلى طبيعة البخور وتأثيراته الدينية والايروتيكية والمخدّرة.
وبحسب احد النقّاد، فإن الرسّام يتصرّف هنا كـ "خيميائيّ" ماهر بتحويله احد اغرب أشكال الطبيعة والكيمياء، أي العنبر، إلى عمل فنّي بديع.
خصائص العنبر معروفة منذ القدم، مع أن أصله غامض وما يزال محلّ نقاش. لكنه يُستخدم كعطر وكعلاج. ويمكن العثور عليه في أمعاء الحيتان الميّتة على الشواطئ أو طافيا فوق مياه البحر. لكن يتعيّن إبقاؤه في الشمس فترة طويلة قبل أن يتحوّل إلى المادّة التي تقدّرها صناعة العطور عالياً.
وعندما يُمزج العنبر مع أيّ عطر فإنه يمنحه ثباتا ويجعله أثقل ويدوم لمدّة أطول، كما انه يضيف رائحته المتميّزة إلى مزيج العطر. ويقال انه من الصعب وصف رائحة العنبر. لكن يمكن القول انه مزيج من رائحة الحيوانات والحظائر والتراب والجلد والبحر والتبغ والخشب القديم.
كما يقال أن له خاصّية إدمان، بمعنى أن الإنسان إذا شمّه مرّة فإنه يتوق إلى استنشاقه مرّات ومرّات. وكان العنبر ذات زمن أغلى من الذهب، وسعره اليوم يمكن أن يصل إلى أكثر من ألف دولار للأوقية.
وبسبب قيمته العالية، فإن هناك من اتّخذوا من البحث عنه وظيفة أساسية لهم في الحياة ومصدرا وحيدا للرزق، وخاصّة سكّان مناطق البحار الاستوائية في استراليا ونيوزيلندا.


عمان - شووفي  نيوز-  اجتمع سعادة الدكتور/ بدر المطيري الملحق الثقافي الكويتي رئيس مجلس المستشارين والملحقين الثقافين العرب في مكتبه يوم الثلاثاء الموافق 27/8/2019م مع أعضاء المجلس من المستشارين والملحقين الثقافيين العرب، وقد حضر الاجتماع كلاً من سعادة القائم بأعمال الملحقية الثقافية السعودية الأستاذ/ براهيم السعدان وسعادة  المستشار الثقافي العراقي الأستاذ الدكتور/ حيدر زيدان وسعادة المستشار الثقافي الليبي الأستاذ/ عبدالقادر الجالي وسعادة المستشار الثقافي اللبناني الأستاذ/ رامي بشارات ونائباً عن سعادة المستشار الثقافي الفلسطيني الأستاذ/ جمال الخالدي سعادة الأستاذة/ عبير المراغي، ونائباً عن سعادة الملحق الثقافي البحريني الأستاذة/ ندى الحربان سعادة الأستاذ/ محمد رباح.

    وقد رحب سعادة الدكتور/ بدر المطيري بأعضاء المجلس مثمناً ثقتهم بانتخابه كرئيس مجلس المستشارين والملحقين الثقافيين العرب في الأردن ومؤكداً على أهمية وقوة المجلس في خدمة أبنائنا الطلبة العرب الدارسين في الجامعات الأردنية، مبيناً بأن هذا المجلس هو امتداد لرؤساء المجلس السابقيين اللذين قاموا بتقديم العديد من الخدمات لهذا المجلس.

    وقد تم مناقشة وطرح العديد من القضايا والمشكلات التي تواجه الطلبة العرب خلال فترة دراستهم واقامتهم في الأردن وذلك من شؤون دراسية واكاديمية و أمور متعلقة بالإقامة لطلبة بعض الدول، والتأكيد على ضرورة التنسيق ما بين أعضاء المجلس للوقوف على هذه المشكلات والعمل على حلها من خلال عقد اجتماعات مع الجهات المعنية .

    وقد تم التأكيد على ضرورة زيادة قنوات التواصل والتنسيق بين الملحقيات الثقافية من خلال تنظيم فعاليات ثقافية بين الطلبة العرب والأردن الشقيق، لتبادل الخبرات فيما بينهم .

    وفي نهاية اللقاء قدم أصحاب السعادة اقتراحاتهم وتوصياتهم فيما يتعلق بعمل المجلس للمرحلة القادمة متمنين لهذا المجلس تحقيق جميع الأهداف التي وضعت من أجله.


موسكو -رفعت شركة الإنتاج الروسية RFG‎، دعوى قضائية ضد شركة China Film Group‎، و أرنولد شوارزنيغر وجاكي شان مطالبة بتعويض مالي قدره 216 مليون روبل (أكثر من 3 ملايين و300 ألف دولار).

وطالبت شركة الإنتاج الروسية، التي مولت فيلم "Viy 2"، وحمل عنوان "سر ختم التنين" في النسخة الصينية، ولم تحصل على أي أرباح منه بعد، باسترداد المبلغ المذكور بعد البداية الفاشلة لعرض الفيلم في الصين وهو من بطولة جاكي شان وأرنولد شوارزنيغر.

ويعتقد المنتج الروسي، ألكسي بيتروخين، أن مطالبات شركة الإنتاج الروسية لن تثمر عن شيء، لأن الأموال المخصصة للفيلم لا تعود للشركة أو مستثمرين من القطاع الخاص، بل لصندوق السينما الذي حولها لتمويل الفيلم.

وحصل الفيلم على أكثر من مليوني دولار بقليل، خلال عرضه الأول في الصين بعطلة نهاية الأسبوع. ولن يتمكن الجمهور الروسي من مشاهدة الفيلم إلا في شهر سبتمبر القادم موعد عرضه في البلاد.

المصدر: نوفوستي

https://farm3.static.flickr.com/2221/1795326908_9bb8968c90_o.jpg
في لوحاته يحاول رينيه ماغريت أن يفتح للناظر نافذةً يطلّ من خلالها على الجانب المظلم من العقل.
كان الفنّان ينظر إلى العالم باعتباره معينا لا ينضب من الأسرار والرؤى الشفّافة. ولهذا السبب لم يكن يشعر بحاجة إلى أن يستمدّ من الكوابيس والسحر والهلوسات مواضيع لأعماله.
وكان يرى أيضا أن مجرّد النظر إلى اللوحة يكفي للاستمتاع بها، دونما حاجة للوقوع في فخّ التنظيرات الجامحة والتفسيرات المبتسرة.
وبرأي ماغريت أن الحياة ليست سوى لغز كبير وأن من المتعذّر كسره أو فكّ طلاسمه. وكان يعتقد أن طبيعة الإنسان تدفعه لئلا يرى إلا ما يريد أن يراه أو ما يبحث عنه. ومن ثم فإن إدراكنا مرتبط إلى درجة كبيرة بطبيعة توقعاتنا.
كانت والدة ماغريت امرأة غير سعيدة في حياتها، وقد حاولت الانتحار مرارا.
وفي عام 1912، وكان عمر رينيه لا يتجاوز الثالثة عشرة، غادرت أمّه منزلهم ليلا وعندما بلغت أحد الجسور ألقت بنفسها في مياه النهر.
عندما انتشلت جثّتها بعد أيام، كان جسدها عاريا ووجهها مغطّى بطرف فستانها الذي كانت ترتديه ليلة خروجها من المنزل للمرّة الأخيرة.
وقد رأى ماغريت جثّة والدته عند استعادتها من الماء، ولم تبرح تلك الصورة المزعجة ذاكرته حتّى وفاته.
وبعد مرور سنوات على الحادثة، أي في العام 1928، رسم الفنّان مجموعة من اللوحات التي يظهر فيها أشخاص ُغطّيت وجوههم ورؤوسهم بقطع من القماش.
في هذه اللوحة نرى شخصين يقفان متلاصقين وجها لوجه، وفي نسخة أخرى من اللوحة يظهر الشخصان وهما يقبّلان بعضهما بعضا. والقاسم المشترك بين اللوحتين هو أن الشخوص فيهما بلا ملامح، فقد ُغطّيت رؤوسهم بقطع من القماش الذي يحجب ملامح وجوههم عن الناظر.
ورغم حميمية المشهد وتلقائيته، فقد أصبح رمزا للعزلة والانسحاق والموت.
غير أن غموض اللوحة دفع الكثيرين، ولغايات مختلفة وأحيانا متناقضة، إلى تحميلها بمضامين أخلاقية معاصرة.
فدعاة المثلية الجنسية، على سبيل المثال، يوظفون اللوحة للتعبير عمّا يصفونه بعداء المجتمع تجاههم وتجاهله "لحقوقهم".
والمنظّمات المعنية بمكافحة الايدز تستخدم نفس اللوحة للتحذير من أضرار الممارسات المثلية وأخطارها الكثيرة.
في حين لا يرى بعض نقّاد الفن في اللوحة أكثر من كونها تجسيدا بسيطا ومباشرا للمقولة الشائعة "الحبّ أعمى".
كان معروفا عن ماغريت براعته في تقنية مزج الصور، وكان يردّد دائما أن الكلمات بلا معنى، وأننا نحن من نخلع عليها المعاني التي نريد وبطريقة متعسّفة أحيانا.
وبعض النقاد ممّن درسوا لوحاته قالوا بأنها انعكاس لرغبة الفنان في التعبير عن اعتراضه على رتابة وعبثية الحياة. والبعض الآخر رأوا فيها ما يمكن اعتباره حيلة هروبية ونكوصا عن مواجهة الواقع. والبعض الثالث تحدّث عن دأب ماغريت ومثابرته في توظيف فنّه من اجل كشف بعض المناطق المظلمة والمعقّدة في الطبيعة الإنسانية.
وهناك فريق آخر من النقاد ممّن لا يخفون افتتانهم بجمال مناظره وجاذبيتها رغم كون بعضها مربكا ومستفزّا.

https://farm5.static.flickr.com/4136/4924280683_927aa94717_b.jpg
يعتبر بول ديلفو احد الرموز المهمّة في حركة الفنّ الحديث في القرن العشرين. وقد اشتهر بلوحاته السوريالية التي تكثر فيها صور لنساء ذوات عيون كبيرة ومتوتّرة يتحرّكن ويتصرّفن كما لو أنهنّ واقعات تحت تأثير منوّم مغناطيسي. وكثيرا ما يظهرن في محطّات القطار أو يتمشّين داخل مبان كلاسيكية الطابع برفقة رجال غامضين يرتدون القبّعات.
القطارات أيضا من الموتيفات التي تظهر في لوحات ديلفو بشكل متكرّر. ويبدو أن الدهشة لم تفارقه منذ رأى أوّل قطار في حياته في باريس وهو ما يزال طفلا.
ومثل غيره من الرسّامين السورياليين، كان ديلفو يستمدّ مواضيع لوحاته من الأحلام والرؤى. وقد رسم هذه اللوحة اعتمادا على حلم روته له زوجته في احد الأيّام. فقد حلمت أنها رأت مجموعة من عرائس البحر على هيئة نساء يرتدين ملابس طويلة بألوان رمادية وخضراء وهنّ يجلسن قبالة بعضهنّ على كراسٍ مذهّبة في زقاق طويل يقوم على جانبيه صفّان من البيوت الرمادية.
النساء في هذه اللوحة يبدين بلا حراك، بينما يضعن أيديهن فوق ركبهنّ ويحدّقن في المجهول.
الزقاق بدوره يمتدّ إلى آخر اللوحة ويفتح على منظر لشاطئ تحيطه جبال بيضاء. في اللوحة أيضا يظهر رجل وحيد يبدو واقفا قرب جدار في الزاوية التي ينعطف عندها الشارع إلى اليمين. وفي الجانب الآخر من الجدار تظهر عن بعد مجموعة من عرائس البحر وهنّ يقفزن في الماء بعد أن تحرّرن من ملابسهنّّ.
المعنى هنا ليس واضحا تماما. ربّما كان كامنا في العقل الباطن للرسّام وزوجته. واللوحة في النهاية هي محاولة لتصوير حلم يصعب فهمه أو تفسيره.
ولد بول ديلفو في بلجيكا ودرس المعمار والديكور في أكاديمية بروكسل للفنون التي عُيّن في ما بعد مديرا لها.
ويُعرف عنه انه كان مغرما بـ جورجيو دي تشيريكو الذي كان معاصرا له. وكان مثله يعشق مناظر الشوارع الصامتة حيث ظلال البشر الذين لا يمكن رؤيتهم.
كما كان معجبا بمواطنه الرسّام رينيه ماغريت وبأسلوب مزجه الواقع بالخيال في لوحاته. ويقال إن ديلفو كان متأثّرا كثيرا بـ ماغريت. في حين يذهب بعض النقّاد إلى أن ديلفو لم يكن في واقع الحال سوى نسخة باهتة عن ماغريت.
بعض لوحات ديلفو تتّسم بغموضها، وفي بعضها الآخر مشاهد من حنين وإحساس بالصمت والأبدية.
وقد زار الرسّام ايطاليا في وقت مبكّر من حياته وأعجب بمبانيها التاريخية وعكَس حبّه للعمارة في العديد من صوره.
لكن لم يكن أحبّ إلى نفسه من رسم النساء العاريات ذوات الصدور الضخمة وهن يتجوّلن على الشواطئ أو في الطرق المزدحمة أو في الأطلال القديمة تحت ضوء القمر، وأحيانا وهنّ يقطفن الأزهار.
في إحدى لوحاته المشهورة بعنوان فينوس النائمة والموجودة في التيت غاليري بـ لندن، يرسم ديلفو امرأة تنام عارية في ساحة قصر مبنيّ على الطراز الإغريقي. وعند رأس المرأة النائمة تقف امرأة عارية وهي تؤشّر بيدها لامرأة أخرى محتشمة تمرّ عند نهاية السرير بمحاذاة هيكل عظمي لإنسان. وعلى الأرضيّة الرخامية نساء عاريات يؤدّين طقوسا غريبة وأخريات يحلّقن في السماء، بينما يضيء المشهد الليلي نور قمر يشعّ من بعيد.
ديلفو قال انه رسم هذه اللوحة في إحدى الليالي التي كانت تتعرّض فيها بروكسل لوابل من قذائف الطائرات أثناء الحرب العالمية الثانية. تلك اللحظات كانت استثنائية في سايكولوجيّتها وفي كمّية التوتّر والدراما التي صاحبتها. ويبدو أن الرسّام أراد من خلال اللوحة الموازنة بين نقيضين: الهدوء الذي يمثّله منظر المرأة النائمة من ناحية والإحساس بالألم والفجيعة الذي تجلبه الحروب من ناحية أخرى. صحيح أن اللوحة مزعجة إلى حدّ ما، لكنها تتضمّن أيضا نوعا من التعبير الشاعري.
كان بول ديلفو شخصا حالما، ولم يكن يحبّ القراءة كثيرا. كما لم يُعرف عنه تديّنه أو انتماؤه إلى أيّ تيّار أو حزب سياسي. وكان يحتفظ في محترفه بمجموعة من الجماجم البشرية التي كان يرسمها في لوحاته. كما كان معروفا بحرصه الشديد على أن يختار بنفسه، وحسب مواصفاته هو، موادّ وعدّة الرسم التي كان يستخدمها.
زوجته التي ألهمته رسم هذه اللوحة ظهرت في العديد من لوحاته بعينيها الواسعتين ووجهها الكلاسيكي. أما نساؤه العاريات فكان يصوغ ملامحهن على ملامح امرأتين أخريين، إحداهما روسية والأخرى سويدية.
ويمكن القول إجمالا إن مناظر ديلفو السوريالية تخلو من أيّ اثر للعنف أو الكوابيس المخيفة. كان عالمه غريبا، لكنّه مسالم نسبيا.
ومن الواضح انه كان يفهم النساء ويتعاطف معهنّ كثيرا. إحدى القصص التي تُروى عنه تقول إنه أحبّ امرأة وهو في سنّ الثلاثين، لكن والديه رفضا ارتباطه بها. وعندما قابلها بالصدفة بعد أكثر من ربع قرن لم يتردّد في الزواج منها على الرغم من انه كان يشارف على الستّين.
توفّي بول ديلفو عام 1994 عن سبعة وتسعين عاما. ومنذ بضع سنوات احتفلت بلجيكا بذكرى مرور مائة عام على مولده.

https://farm3.static.flickr.com/2672/3735111620_259f81739e_o.jpg
يُجمع الكثير من النقّاد على اعتبار جورجيا اوكيف أشهر الرسّامات الأمريكيات وأكثرهن أصالة وابتكارا. وقد عُرفت بلوحاتها التي تصوّر فيها مظاهر الحياة في صحراء نيو مكسيكو الجافّة والقاسية. ومن السهل التعرّف على لوحاتها التي تكثر فيها صور العظام والأزهار والجماجم والصَدَف.
وزمن اوكيف كان الفنانون الأمريكيون توّاقين لاكتشاف الجوهر الحقيقي لبلدهم. وقد وجدت الرسّامة في بعض الرموز الروحانية للهنود الحمر وفي التضاريس الوعرة والجافة للغرب الأمريكي ما يمكن أن يكون تجسيدا للهويّة وللروح الأمريكية.
وكانت الرسّامة قد قرّرت أن تغمر نفسها في تلك الطبيعة الصافية التي حافظت فيها التفاصيل والعناصر على حالتها الأولية الأكثر فطرية ونقاءً.
ولهذا السبب كانت عظام الحيوانات النافقة في الصحراء تمثل بالنسبة للرسّامة مصدر فتنة وإلهام. كانت تجوب الصحراء وترسم الجماجم والهياكل العظمية التي لوّحتها وصقلتها أشعّة الشمس الحارقة. ولم تكن اوكيف ترى في العظام رمزا للموت على غرار ما كان يعتقد معاصروها، بل عنصرا مهمّا من عناصر جمال الصحراء الخالد واللانهائي. ولطالما جذب الرسّامة وألهب خيالها جلال وغموض الطبيعة الصحراوية بتكويناتها الجيولوجية الغريبة وألوانها الصارخة ونباتاتها الغريبة وأضوائها الصافية التي ظلت تعكف على رسمها طوال حياتها.
وضمن هذا السياق رسمت اوكيف هذه اللوحة التي يعتبرها الكثيرون أشهر لوحاتها وأكثرها انتشارا. بل لقد أصبحت في ما بعد أيقونة ترمز لطبيعة الحياة في مناطق الغرب الأمريكي. وقد شرحت الفنانة ظروف ومغزى رسمها للوحة عندما قالت: كنت أحدّق في التلال قبالة بيتي لأسابيع وارسمها المرّة تلو الأخرى. كنت أراها من بعيد عبر النافذة بينما كانت السماء تمطر. وبدا لي أن المشهد سيكون أفضل لو ضمّنته جمجمة خروف وزهرة".
في اللوحة تبدو الجمجمة اقرب إلى جمجمة الجاموس أو الثور منها إلى جمجمة الخروف. ويخيّل للناظر كما لو أنها تنبعث من الأرض بعد أن كانت كامنة هناك منذ الأزل. أيضا ممّا يلفت الانتباه في اللوحة منظر القرنين والزهرة اللذين يمكن أن يكونا رمزا لاتحاد الجنسين. وثمّة احتمال أن تكون اوكيف رسمت هذين العنصرين في اللوحة وفي ذهنها بعض المعتقدات والأفكار التي كانت شائعة لدى بعض الشعوب القديمة.
فمنذ القدم، كان يُنظر إلى القرون باعتبارها رمزا للذكر استنادا إلى الأسطورة الفرعونية القديمة عن آمون إله الخصوبة الذي كان يُصوّر برأس خروف وجسم إنسان. بينما الزهرة رمز لـ فينوس أو افرودايت آلهة الخصوبة الأنثوية عند اليونان.
كانت جورجيا اوكيف، كما سبقت الإشارة، مفتونة كثيرا بعظام الحيوانات الميّتة وكانت تسمّيها أزهار الصحراء. وقد أصبحت ثيمة ثابتة في العديد من لوحاتها المشهورة.
وبخلاف وجهة النظر التي تنظر إلى جماجم الحيوانات كرمز لزوال الحياة وحتمية الموت، كانت اوكيف ترى فيها دليلا على تجدّد الحياة وانبعاثها وعلى استمرارية الوجود واتصال الحاضر بالماضي.
كانت اوكيف شخصيّة محورية ومثيرة للجدل في الفنّ الأمريكي. وقد ظلّت على الدوام بمنأى عن التغييرات والاتجاهات التي طرأت على الفنّ وبقيت مخلصة لرؤيتها الفنية الخاصة التي كانت تعتمد على دراسة خصائص الشكل وعلى البحث عن الأشكال التجريدية والمهمّة في الطبيعة.
ومن الصعب إحصاء عدد المرّات الكثيرة التي استُنسحت فيها لوحاتها التي تتخذ من الصحراء والزهور موضوعا لها. وقد تأثرت في بواكير حياتها بـ كاندينسكي وكتابه المشهور "الروحانية في الفن" الذي تحدّث فيه عن الانفعالات الداخلية للفنان. وفي بعض الأوقات عملت أستاذة للرسم في أكثر من جامعة. كما سافرت كثيرا خلال حياتها وشملت رحلاتها بلدان الشرق الأقصى والهند وأوربا وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط.
وقد كانت اوكيف وزميلاتها من الفنانات مهتمّات بإعادة تعريف هويّة المرأة الحديثة واكتشاف الأفكار المتغيّرة عن الأنوثة في الحداثة. وعُرف عنها تعطّشها للمغامرة والاستقلالية وتحقيق الذات. وكان أسلوب حياتها وطريقة تعبيرها عن نفسها انعكاسا لجسارتها وقوّة شخصيتها وروحها الحرّة والمتمرّدة. وكانت دائما تؤثر العزلة والابتعاد عن الناس والأضواء. ومما يؤثر عنها قولها: لو كان البشر أشجارا لكنت أحببتهم بطريقة أفضل".
وقالت ذات مرّة ما يمكن أن يكون تلخيصا بليغا لشخصيّتها وأسلوب فنّها: كنت أقطف الأزهار أينما وجدتها وأجمع الحجارة والصدف وقطع الخشب التي كنت أحبّها. وعندما أجد عظاما بيضاء جميلة في الصحراء كنت آخذها معي إلى البيت. وقد استخدمتُ كلّ هذه الأشياء لأعبّر عن رحابة وغرابة هذا العالم كما عشت فيه".
وفي منتصف العشرينات، رسمت اوكيف سلسلة من اللوحات التي تصوّر فيها أزهارا بطريقة تجمع بين التجريد والسوريالية. وقد عمدت إلى تكبير بَتَلات وأوراق الأزهار لتملأ رقعة الرسم. وأسهمت تلك اللوحات في ترسيخ مكانة الفنانة وشهرتها كرسّامة حديثة ومبتكرة. غير أن بعض النقاد رأوا في تلك اللوحات مضمونا جنسيا عندما تقصّدت الفنانة رسم الأزهار على هيئة قريبة من الأعضاء الأنثوية. وهو التفسير الذي ظلت اوكيف تنفيه وترفضه باستمرار.
في أواخر حياتها توقفت اوكيف عن الرسم اثر تدهور صحّتها وإصابتها بالعمى. وكان أكثر ما يحزنها أنه لن يكون بوسعها بعد ذلك أن ترى الريف الجميل "إلا إذا كان كلام الهنود الحمر صحيحا وأن روحي ستمشي على هذه الأرض بعد موتي".
وفي مارس من عام 1986 توفيت جورجيا اوكيف عن عمر ناهز التاسعة والتسعين. وإنفاذا لوصيّتها، أحرقت جثّتها وذُرّ رمادها فوق صحراء نيو مكسيكو التي ربطتها بها علاقة عشق وكانت ملهما لمناظرها الغامضة والمليئة بالرؤى والرموز.

https://c1.staticflickr.com/3/2938/32930900083_0c8d99d8f9_o.jpg
ذات مرّة، وصف الشاعر والناقد شارل بودلير الرسّام اوجين ديلاكروا بأنه آخر الرومانتيكيين وأوّل الحداثيين.
وربّما كان ديلاكروا آخر الرسّامين العظماء الذين اقترب فنّهم من مفهوم الحداثة. لكن لم يكن له سخرية مانيه ولا شكوك سيزان. ويبدو كما لو انه كان قانعا بالمتعة التي كان يرسم بها وبفكرة الفنّ من اجل الفنّ.
ومع ذلك كان ديلاكروا فنّانا استثنائيا في زمانه. وقد استطاع أن يرسم لوحات دينية مثيرة للمشاعر على الرغم من انه هو نفسه لم يكن متديّنا.
لوحاته مزيج من العنف والعاطفة والإغراء: حريم، انتحارات جماعية، معارك، مذابح، وملائكة وغير ذلك. كان يرسم كلّ شيء بحساسية فائقة وبفهم غير عاديّ لوظيفة الألوان.
ويقال أحيانا انه ما من رسّام آخر تمتّع بنفس تأثير ديلاكروا ونفوذه الدائم والمستمرّ. كان رسّاما منضبطا وثائرا. ولوحاته الأدبيّة، أي تلك التي استوحاها من روايات، فيها تطرّف وعاطفة واضطراب، وبعضها يثير الخوف، لكنّها مع ذلك جميلة ومعبّرة على الدوام.
وكان هناك من الرسّامين من ينظرون له نظرة إجلال وتقديس مثل غوستاف مورو وغوغان واديلون ريدون الذي التقاه مرّة في حفل وفُتن بملامحه الجميلة وبتحفظّه وانعزاليّته.
رينوار أيضا أحبّ ألوان ديلاكروا ورسم نسخا من لوحاته الجزائرية. ومانيه وفان غوخ كانا أيضا معجبَين بسطوع ألوانه وأناقتها الواضحة. وقد استلهم الانطباعيّون ومن أتوا بعدهم طريقته المتفرّدة في توظيف واستخدام الألوان.
ومصادر إلهام ديلاكروا تأتي في الأساس من الأحداث التاريخية أو المعاصرة ومن أعمال الأدب. روايات السير والتر سكوت مثلاً، بأفكارها الغرائبية والعنيفة، كانت ذات شعبية كبيرة عند الرسّامين الأوربّيين الرومانتيكيين. ورغم تحفّظ ديلاكروا على قيمتها الأدبية، إلا انه وفي مناسبات عديدة وجد في بعض تلك الكتابات شيئا من الإلهام.
في هذه اللوحة، يرسم ديلاكروا منظرا من رواية ايفانهو لسكوت والمنشورة عام 1819م. كان ايفانهو نبيلا انجليزيا وفارسا مخلصا للملك ريتشارد الأوّل الملقّب بقلب الأسد.
وقد عاد ايفانهو بصحبة الملك سرّا إلى انجلترا بعد انتهاء الحروب الصليبية وبعد سجن ريتشارد في النمسا، لأنه وأثناء غياب الملك قام أخوه جون، وبمساعدة من نبلاء النورمان، بالاستيلاء على عرش انجلترا.
وقد قام ايفانهو بدور مشهود في إلحاق الهزيمة بفرسان الأمير جون وعلى رأسهم كلّ من برايان دو غيلبيرت وريجينالد دو بوف.
لكن بطريقة ما، تمكّن هذان الأخيران من اعتقال ايفانهو الجريح ووالده وسجنوهما في إحدى القلاع. وكان مسجونا في تلك القلعة أيضا تاجر يهوديّ مع ابنته الجميلة التي تُدعى ريبيكا.
كان دو بوف قد وقع في حبّ المرأة ثم اختطفها وحبسها في القلعة على أمل أن يتّخذها خليلة. لكن أثناء حرق ونهب القلعة، التي تبدو في خلفية اللوحة، حُملت ريبيكا بعيدا على يد عبدين وبناءً على أوامر من دو غيلبيرت الذي كان واقعا في هواها هو الآخر.
وهذا هو الجزء الذي رسمه ديلاكروا من الرواية، حيث صوّر الدراما المكثّفة من خلال الخطوط والألوان الساطعة. واللوحة تُظهر الرسّام وهو في أوج إبداعه وتألّقه، كما يمكن اعتبارها امتدادا لإبداعه الذي بدأه في لوحته "نساء الجزائر". لكنّ الألوان هنا اخفّ وأكثر تعبيريةً. وضربات الفرشاة تبدو عصبية، لدرجة أنها تشعل السطح بأكمله. المشهد أيضا يذكّر ببعض لوحات روبنز وبمناظر الحرب التي استوحى منها الشاعر الانجليزيّ اللورد بايرون قصائده.
وربّما يكون ديلاكروا قد أحبّ في رواية ايفانهو فكرة العنف التي كانت تروق للرومانتيكيين عادة. ومن الواضح أن ما كان يهمّه في المقام الأوّل هو النوعية الغرائبية للقصّة.
العديد من النقّاد المعاصرين للرسّام امتدحوا تلقائية اللوحة وقوّتها الكامنة وتناغم ألوانها. وهناك أيضا تفاصيل أخرى تلفت الانتباه، كالنار المنطلقة من عقالها والجواد الأشهب الجميل وتفاصيل الملابس.
غير أن النقّاد المحافظين آنذاك هاجموا اللوحة لنقص الرسم فيها والفراغات غير المتناسقة ولانتهاك الرسّام للقواعد الكلاسيكية. ديلاكروا نفسه كان يدرك عيوب هذه اللوحة جيّدا، لكنه رغب في التضحية بكلّ شيء من اجل أن يخلق تأثيرا دراميّا. لكن ممّا لا شكّ فيه أن اللوحة لا تفتقر للفخامة والجمال.
اللون نفسه يبدو مندمجا في نسيج اللوحة لدرجة انه يتحوّل إلى روح. وأنت تنظر إلى الألوان، قد تلاحظ أنها تتحوّل وتتدرّج من الخفيف إلى القاتم وبالعكس وكأنّها تتنفّس في داخل المشهد.
كان ديلاكروا يقول إن القيمة الأولى للوحة هي أن تكون مبهجة للعين. وكان ينظر إلى قلب الإنسان كمنطقة قاسية ومضطربة. والبشر والحيوانات التي كان يرسمها تبدو وكأنها تتبادل الأدوار في ما بينها. وهذا التعقيد والمزج بين التطرّف والمحافظة كان سمة للرسّامين الفرنسيين الكبار من القرن التاسع عشر.
كان ديلاكروا أوّل رسّام فرنسيّ مهمّ لا يزور ايطاليا، وبدلا من ذلك ذهب إلى المغرب. وباختياره ذاك أحدثَ تطوّرا في الرسم الفرنسيّ، إذ ابتعد عن الكلاسيكية وفضّل أن يهتمّ أكثر باللون والحركة.
وعندما وصل إلى المغرب كتب يقول: الإغريق والرومان وجدتهم عند عتبة بابي. إنهم العرب الذين يلفّون أنفسهم بالعباءات البيضاء ويبدون بملامح كاتو وبروتوس". رحلته إلى شمال أفريقيا بدأت عام 1832، وقد وجد هناك سماوات مفتوحة وعواطف متوقّدة وحياة ذات نمط قديم، وغيّر ذلك حياته كلّها جذريّا.
قضى ديلاكروا بقيّة حياته محاولا استيعاب تجربته المشرقية. وعندما عاد إلى فرنسا، عكف على رسم الموتيفات الشرقية التي رآها في رحلته وأذهلت مجتمع باريس.
بعض أهم أعمال الفنّان كُلّف برسمها كي تزيّن جدران وأسقف بعض مباني باريس العامّة. وأشهر لوحاته مثل "الحرّية تقود الشعب" و"موت ساردانابالوس" و"نساء الجزائر" تُعتبر اليوم من ايقونات الرسم الفرنسيّ ونادرا ما تغادر أراضي فرنسا لتُعرض خارجها.
كان ديلاكروا عاشقا للأدب والفنّ. والكثير من أعماله مستوحى من أعمال أدباء مثل شكسبير وغوته وغيرهما. كما رسم عددا من البورتريهات لشخصيّات معروفة مثل الموسيقيّ الايطاليّ نيكولا باغانيني والموسيقيّ البولنديّ فريدريك شوبان والأديبة الفرنسية جورج صاند التي بقيت في محترفه حتى وفاته عام 1863.
كان ديلاكروا يرى أن الأشياء إن لم تكشف عن معناها على الفور فليست لها قيمة". ومع ذلك، فإن هذا الوصف لا ينطبق على مناظر الدراما الإنسانية التي كان يرسمها، إذ يلزمك أحيانا نظر طويل حتى تكتشفها وتلمّ بتفاصيلها.
شطآن البحار التي كان يصوّرها تبدو تدريجيّا منذرة بالخطر كما لو أنها هاوية العالم. وميدان المعركة يصبح محيطا اخضر. ويقال أن أحدا لم يرسم غموض البحر وروعته بمثل ما فعل ديلاكروا. بحره يمكن أن يكون رمزا لفنّه: جامح، قويّ وعنيف، لكن مسيطَر عليه بطريقة غامضة.


ترك كارافاجيو أثرا كبيرا على فنّ الباروك بأسلوبه الخاصّ والمبتكر الذي يتميّز بالإضاءة والحركة والدراما والتوتّر والفخامة.
كان الفنّانون قبل كارافاجيو يرسمون مناظر دينية مثالية، وذلك بإضافة هالات إلى الأشخاص أو ملائكة تطير في الهواء وتفاصيل من عوالم أخرى.
أما كارافاجيو فقد أصرّ على أن يتعامل مع القصص الدينية بشكل مختلف وذلك بتركيزه على الواقع والجسد والانفعال.
في هذه اللوحة، يصوّر الرسّام قصّة دينية وردت في الكتب القديمة عن قدّيس يُدعى سول كان مشهورا باضطهاده للمسيحيين. وسول هذا هو الذي سيتحوّل في ما بعد إلى بولس الرسول أحد كتبة الإنجيل.
تذكر القصّة أن سول كان فرّيسا وكان يعيش في مدينة القدس بعد صلب المسيح. وقد أقسم على أن يبيد جميع المسيحيين الجدد. ثم جاءته أوامر من كبار الكهنة بالذهاب إلى دمشق والتعامل بشدّة مع أتباع المسيح فيها.
لكن مفاجأة حدثت له في الطريق بالقرب من دمشق، إذ فوجئ – بحسب القصّة - بضوء قويّ يأتي من السماء ويُسقطه عن ظهر حصانه. ثم سمع صوت المسيح يقول له: لماذا تضطهدني؟!" وأثناء تخبّطه، اكتشف سول انه لم يعد يرى. ثم جاءه الصوت مرّة ثانية يقول له: الآن انهض واذهب إلى دمشق وسأخبرك ما الذي ستفعله هناك".
وكارافاجيو يرسم لحظة السقوط تلك من على ظهر الحصان والفوضى التي رافقت ذلك. والرسّام يختار لهذه الدراما خلفية مظلمة لكي يركّز اهتمام الناظر على تلك اللحظات المثيرة التي مرّ بها سول المتمدّد على الأرض في ذهول وصدمة. ويُفترَض انه رأى المسيح في تلك اللحظة التي أعماه فيها النور القادم من السماء.
والضوء يضرب الحصان ويسقط على سول المتمدّد على الأرض والرافع يديه والمغمض عينيه بينما سيفه وخوذته ملقيان على الأرض.
ووسط هذه المعمعة هناك أقدام كثيرة. الخادم المرتبك والذي لا يظهر منه سوى رأسه وقدماه يحاول الإمساك برسن الحصان لمنعه من دوس سول.
الحصان يحتلّ معظم مساحة اللوحة، وهو يثير إحساسا بالتوتّر يعمّقه رفعه لأحد حافريه في الهواء كما لو انه يريد تحاشي أن يخطو فوق صاحبه. ونظرات الحصان تبدو متعاطفة، بينما نصفه في الظلمة ونصفه الآخر في الضوء. والرمزية هنا واضحة، وفيها إيحاء برحلة سول من الظلام إلى النور أو من الكفر إلى الإيمان.
بحسب القصّة، فإن هذه الحادثة كانت إيذانا بالتحوّل الروحيّ الذي سيطرأ على سول فيتحوّل بعد قليل من كونه مضطهِدا للمسيحيين إلى قدّيس يحمل اسم بولس الرسول. ووضع سول المثير للشفقة يوحي بأن ما نراه هو ولادة روحية جديدة.
وعلى الرغم من أن هذه الصورة لا تشبه أيّ صورة أخرى، إلا أنها برأي الكثيرين اقلّ لوحات كارافاجيو حيوية ودراماتيكية.
تقول القصّة أن سول بقي أعمى ثلاثة أيّام امتنع خلالها من تناول أيّ طعام أو شراب. وعندما وصل إلى دمشق، كان المسيح قد ظهر لرجل صالح فيها يُدعى انايناس وأمره بأن يقابل سول. ورغم انه كان خائفا من الأخير بسبب سمعته السيّئة كقاتل بلا رحمة للمسيحيين، إلا انه قابله في النهاية. وأثناء اللقاء استردّ سول بصره ثم تحوّل إلى بولس الذي تذكر الأدبيات المسيحية أنه أسهم إسهاما كبيرا في نشر المسيحية.
استخدم كارافاجيو في اللوحة تقنية الكياروسكورو، أي توظيف الضوء والظلّ، لتركيز الأنظار على مناطق معيّنة في الصورة. وهذا الأسلوب أصبح علامة مميّزة له ومصدر إلهام لأجيال عديدة من الرسّامين الذين أتوا بعده.
المعروف أن هذه القصّة استهوت العديد من الفنّانين الذين صوّروها، ومن أهمّهم لوكا جوردانو و غويدو ريني و آدم الزهايمر وغيرهم.
بسبب رحلة بولس تلك، أصبحت عبارة "تحوّل في الطريق إلى دمشق" شائعة في اللغة. وتُستخدم عادة لتعكس تغيّرا كبيرا أو أساسيّا ومفاجئا في حياة شخص ما بسبب لحظة واحدة. وأحيانا تُستخدم العبارة لتعني النقطة التي يحدث فيها تغيير دراماتيكيّ ودائم في أفكار ومعتقدات شخص ما بسبب تدخّل إعجازيّ وخارق للعادة.
لوحات كارافاجيو الدينية اعتُبرت دائما أفضل ما في روما من فنّ. كان أسلوبه يروق للكنيسة والكهنة. ولسوء الحظ أدّى مزاجه العنيف لأن يفرض على نفسه المنفى في السنوات الأخيرة من حياته. ورغم موته في سنّ الثامنة والثلاثين، إلا أن الكارافاجيوية عاشت طويلا بعده وتأثّر بها معظم رسّامي عصر الباروك.
هذه اللوحة هي إحدى لوحتين أمر برسمهما المونسنيور الايطاليّ سيراسي، وزير خزانة البابا كليمنت الثامن، كي تزيّنا كنيسة ماريّا ديل بوبولو في روما.
وكلا اللوحتين ما تزالان في مكانهما إلى اليوم مع لوحات أخرى لرافائيل وكاراتشي وبيرنيني. لكن مقارنةً بلوحات هؤلاء الثلاثة، تبدو لوحة كارافاجيو حديثة جدّا من حيث الشكل والمضمون